زهراء معاذ - خاص ترك برس

على مدى آلاف السنين، قُسمت السلاسلُ الجبليةُ التي تعبرُ الأناضول الأرض إلى مناخاتٍ وبيئاتٍ مميزة، وقد عززت هذه الحواجزُ الطبيعيةُ الأنواع المحلية من الزهور وسمحت لها بالبقاء، فاليوم ثلث الزهور المنتشرة في تركيا تعدُّ موجودةً في موطنها الأصلي. وبما أن انتشار الأزهار التركية منذ أيام الدولة العثمانية جعلها جزءًا من دولٍ أخرى في آسيا وأوروبا وأفريقيا، تقول بعضُ الإحصاءات إن ربع الزهور التي تُصدَّر وتُستورد حول العالم هي تركية الأصل.

وفي كلّ الأحوال، يظهرُ للزائر بأن الزهور تحظى باهتمامٍ واسعٍ في تركيا، وهو ليس بالأمر الجديد، فالعنايةُ بالزهور كانت عُرفًا سائدًا مارسه الكثيرون من الأتراك منذ أيام الدولة العثمانية من سكانٍ ومسؤولين وسلاطين. فمثلًا، كان السلطانُ عبد الحميد الثاني يشتري سنويًا أكثر من ثلاثين ألف أصيصٍ للزهور، وكان يستفيد منها في استنبات كل النباتات التي أحبَّ استخدامها، كأن يضعها على ياقة معطفه كما اعتاد السلاطين العثمانيون أن يفعلوا، أو أن يضعها في بواكير الأزهار التي توضع على الموائد، إضافةً لغيرها من الاستخدامات.

وفي هذا الموضوع سنستعرضُ لكم مجموعةً من أشهر أنواع الزهور التركية المنتشرة حول العالم.

1- التوليب Tulip

أو كما تُسمّى في علم النبات "توليبا" (Tulipa)، وهي بمثابة الزهرة الوطنية للجمهورية التركية، اسمُها مستمدٌّ من كلمة توربان؛ أي العمامة، والتي تشبة الزهرة في شكلها.

لعبت زهرةُ التوليب دورًا هامًّا في الإمبراطورية العثمانية في فترة السلطان أحمد الثالث (1703 - 1730) فهو الذي أطلق هذا الاسم رسميًا على مجموعة زهور التوليب، لتصل بعد ثلاث مئة عامٍ إلى المجتمعين الهولندي والبريطاني حيث وُضعت أول قائمة هناك لتصنيف زهور التوليب.

وكان في قصر السلطان مجلسٌ خاصٌّ لدراسة زهور التوليب الجديدة وتسميتها، حيث كان رئيس المجلس يطلق أسماءً شعريةً على الزهور مثل: "تلك التي تحرق القلب"، و"التي تزيد الفرح"، و"زهرة الزجاج الملون"، و"ضوء العقل" وغيرها. ولم يدخل المجلس في قائمة التوليب إلا الأزهار الفريدة التي لم تَشُبها شائبة، فقد وُضعت مواصفاتٌ دقيقةٌ لشكل البتلات والأوراق وطولها وحجمها، كانت تُصنف الزهورُ بناءً عليها.

تتوفّر التوليب بمجموعاتٍ كبيرة في تركيا وتحمل العديد من الألوان، كالأبيض والأصفر والوردي والأحمر والأسود والأرجواني والبرتقالي، بالإضافة للزهور ثنائية الألوان ومتعددة الألوان. كما تُلقّب التوليب بـ "ملكة المصابيح" في تركيا، وقد أصبحت هذه الزهرة أسلوبَ حياةٍ مهمًا في الفنون والفولكلور والتطريز وصناعة السجاد، والمنسوجات التي تُصنع يدويًا من قبل النساء.

وفي شهر نيسان/ أبريل من كل عام، يُقام في حديقة "إميرغان" (Emirgen) الشهيرة بإسطنبول وفي عدد من الحدائق الأخرى "مهرجان زهرة التوليب" حيث تقومُ البلدياتُ التركية بزراعة الملايين من هذه الزهرة في الحديقة وفي مختلف نواحي إسطنبول.

2- وردة Gül

لا شكَّ أن الورود تعدُّ على نطاقٍ واسعٍ واحدةً من الزهور الأكثر جمالًا وشعبيةً في العالم، فهي الخيارُ الأول لأولئك الذين يريدون التعبير عن مشاعرهم من الحب والفرح والوفاء، فوردةٌ واحدة، قادرةٌ على إثارة الحب حتى في أكثر القلوب عنادًا.

ازدهرت الورود في جميع أنحاء الأراضي التركية وكانت جزءًا من ثقافات الأجيال، وقد استخدم التُّركُ ماء الورد وزيت الورد في الطهي والعلاج وصناعة المستحضرات التجميلية، ولأغراضٍ دينيةٍ أيضًا.

وقد تمَّ العثورُ على أحد المصادر الأولى لإنتاج ماء الورد في الأناضول، وبالتحديد في "نُصيبين" (Nusaybin) بالقرب من ولاية ماردين، حيث كانت تُخزّن في أباريق نحاسية مذكورة في كتاباتٍ تاريخية تبين أن الشعب التركي كان ينتج ويستخدم ماء الورد في القرن الحادي عشر. ويُقال إن ماء الورد المُنتج في هذه المنطقة فريدٌ من نوعه في عطره ومذاقه.

ويُعدُّ إنتاجَ زيت الوردِ صناعة مهمةً في تركيا، حيث يتمُّ إنتاجه في مصانع ضخمة أو في أكواخ المزارعين، ويُستخدم في صناعة العطور.

وفي العصر العثماني، كانت الوردةُ مهمةً جدًا خاصة في صناعة العلاجات الطبية، وقد ذُكرت تقريبًا في كل كتابٍ طبي تمّ نشره في عهد الدولة العثمانية. وذكر الطبيبُ العظيم ابن سينا في كتابه "قانون الطب" في القرن الحادي عشر، أن الوردة مفيدةٌ في حالات الإغماء، وتنظيم سرعة نبضات القلب، وتقوية الدماغ من خلال تعزيز الذاكرة. كما ذكر أن غليان ماء الورد وتعريض الرأس لبخاره، له آثارٌ شفائية، وهو مفيدٌ لأمراض العيون، و آلام المعدة، والقرحة، وأمراض الكبد والفم، والتهاب الحلق.

وكانت المرأةُ العثمانية تستخدم ماء الورد بانتظام لما له من فوائد في تحسين مرونة الجلد، وإضفاء الإشراق على البشرة بالإضافة للآثار المضادة للتجاعيد. كما كانت مياه الورد تُستخدم في الحمامات التركية وذلك بسبب عطره المنعش ذي الرائحة الأخّاذة والذي يستخدم اليوم في صناعة العطور الحديثة.

وقد سميت إحدى حدائق إسطنبول الجميلة في حي الفاتح، وهي حديقة قصر السلاطين العثمانيين "توبكابي سراي" باسم "غُل هانة" (Gülhane) تيمنًا بالوردة التركية.

3- الزعفران Çiğdem

يعد الزعفران أحد رموز القوة والجمال في هذا العالم، فلا زهرة بإمكانها أن تفوق مقاومة الزعفران لدرجات الحرارة الباردة والرياح القاسية، وعند النظر إليه مزروعًا في الحقول، يوحي للناظر بأنه وُجد هناك لكي يضفي الإشراق والجمال على تلك الحقول.

يعدُّ الزعفران من الزهور القليلة التي تنبتُ في فصل الشتاء، وتتلوّن بتلاتُه بعددٍ من الألوان المتراوحة بين الأبيض والوردي والأزرق والبنفسجي والأرجواني والبرتقالي.

تفتخرُ تركيا بوجود 59 نوعًا من الزعفران الطبيعي منتشرةً في جميع أنحائها، وقرابة الثلاثين نوعًا منها لا تتواجد إلا في تركيا بشكلٍ خاصٍّ وفريد. ويعدُّ "زعفران إسطنبول" واحدًا منها؛ هذا الزعفرانُ الأصفر اللامع الموجود حول "تاشديلين" (Taşdelen) و"أوميرلي" (Ömerli) قرب ماردين لا ينمو إلا في هذه المنطقة من العالم. كما أن "زعفران كاديكوي" المُرّ اتّخذ من إسطنبول منزلًا له، وقد اكتشفه عالمُ النبات "كيفورك فيجان أزنافور" سنة 1911، ويوجد هذا النوع في كثيرٍ من الأحيان على الجانب الأناضولي من إسطنبول في منطقتي "بينديك" و"كارتال"، كما أنه موجودٌ على الجانب الأوروبي للمدينة بين منطقتي "أليبيكوي" و"إكيتيلي".

وفي ولاية كارابوك التركية، توجدُ مدينةٌ باسم "سافرانبولو" (Safranbolu) أو مدينة الزعفران، وتعودُ هذه التسميةُ إلى تواجد أزهار الزعفران النفيسة فيها بكثرة، وتقوم المدينةُ بإنتاج توابل الزعفران. وتعني "سافران" (Safran) بالتركية الزعفران.

يقومُ اليوم 41 مزارعًا في مدينة الزعفران بزراعة زهور الزعفران سنويًا. ويعد أرز الزعفران الأكلة الشهيرة في المدينة، وتستخدمُ المطاعم هناك توابل الزعفران في صناعة العديد من أطباقها اللذيذة. ويُذكر في هذا الصدد أن توابل الزعفران كانت تستخدم بكثرة في الدولة العثمانية. 

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!