التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
من هم الموريسكيون؟ وماذا تعرف عنهم؟
موريسكي.. المعنى الاصطلاحي:
اصطُلح على إطلاق عدَّة تعبيرات تدلُّ على مسلمي الأندلس تبعًا لتغيُّر أوضاعهم ومكانتهم داخل شبه الجزيرة الإيبيريَّة، وتلك التعبيرات هي في الأصل نصرانيَّة أطلقها النصارى على مسلمي الأندلس، بينما عند المسلمين لا توجد مصطلحاتٌ خاصَّةٌ بمسلمي الأندلس.
ويوجد ثلاثة مصطلحاتٍ أساسيَّةٍ أُطلِقت على مسلمي الأندلس؛ ففي البداية هناك لفظ «مورو moro»، وهو لفظٌ مشتقٌّ من المصدر اللاتيني للكلمة «maurus»، والذي أطلقه الرومان على سكان المغربين الأوسط والأقصى (الجزائر والمغرب وأجزاء من موريتانيا حاليًّا)، ثم أسقطها الأوروبِّيُّون في الأندلس في العصور الوسطى على المسلمين عمومًا، وذلك عند دخول المرابطين ثم الموحدين إلى الأندلس في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين[1].
ومن لفظ «مورو moro» اُشتقَّ المصطلح الثاني، وهو لفظ «موريسكي Morisco»، والذي ظهر بعد قرار التنصير الذي أصدره الملكان فرناندو الخامس وإيزابيلا عام 1502م[2]، حيث أصبح لفظ «موريسكي Morisco» يدلُّ على مسلمي الأندلس، أو على «المسيحي الجديد الذي كان مسلمًا قبل ذلك»، حيث رغبوا في تنصير كلِّ مسلمي الأندلس بعد امتلاكهم لها، بينما لفظ «مورو moro» يدلُّ على باقي المسلمين[3].
أمَّا المصطلح الثالث، والأخير، فهو لفظ «مدجن» Mudéjar، وهو لفظٌ مشتقٌّ من الكلمة العربيَّة مُدجَّن؛ أي الخاضع[4]، وهو لفظ كان يطلق على السكان المسلمين الذين كانوا يُقيمون في المناطق التي كان يحكمها النصارى بدايةً من القرن الحادي عشر الميلادي[5]، التي كانوا قد استولوا عليها من المسلمين أثناء حروبهم معهم.
وإجمالًا، فإنَّ المسمَّيات التي أُطلقت على مسلمي الأندلس تغيَّرت أكثر من مرَّةٍ طوال تاريخهم في شبه الجزيرة الأيبيريَّة[6]، فمن لفظ مسلم، حيث كان المسلمون يحكمون معظم شبه الجزيرة الأيبيرية، ثم أخذت المناطق التي يحكمها المسلمين تتناقص لصالح القوى النصراني، فأُطْلِق على المسلم الذي يعيش في الأراضي التي يحكمها النصاري لفظ مدجن، ثم بعد قرارات التنصير في القرن السادس عشر (ما بين سنة 1502 و1526م) وبعد أن أُكْرِه المدجَّنون على اعتناق النصرانيَّة، أصبح كلُّ المدجنين -وبالتبعيَّة كل مسلمي شبه الجزيرة الأيبيريَّة- موريسكيِّين[7].
خيانة العهود:
كالعادة ولطبيعةٍ جُبلت نفوسهم عليها -بعد أن ترك أبو عبد الله محمد الصغير البلاد- لم يوفِ النصارى بعهودهم مع المسلمين؛ حيث لم يُطبِّق النصارى بنود المعاهدة المتَّفق عليها بينهم وبين مسلمي غرناطة عام 1492م[8]، بل تنكَّروا لكلامهم والتزامهم بالحفاظ على الحرِّيَّات الدينيَّة في غرناطة، وحماية الأماكن المقدَّسة للمسلمين، وما إلى ذلك ممَّا ورد في شروط تسليم المدينة، فقد أهانوا المسلمين بشدَّة، وصادروا أموالهم؛ وكان ذلك مصداق قوله تعالى: ﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [التوبة: 8].
فقد كان الملكان فرناندو الخامس وإيزابيلا يأملان في أن يتحوَّل المسلمون في الأندلس، وخاصَّةً في غرناطة، إلى النصرانيَّة بالطرق السلميَّة[9]، ولكن وجد رجال الدين النصارى رفض معظم المسلمين التحوُّل إلى النصرانيَّة، فحثُّوا الدولة على اتِّباع الشدَّة معهم، وتنصيرهم بالقوَّة[10].
وافقت طلبات رجال الدين النصارى هوى لدى ملكَي إسبانيا؛ فقد كانا يريدان أن تتم عمليَّة تنصير المسلمين بأسرع طريقةٍ ممكنة، فاستمعوا بآذانٍ صاغية إلى طلبات القساوسة النصارى، ووافقوا عليها، وأرسلوا إلى غرناطة[11] الكاردينال فرانثيسكو خيمنيث دي ثيسنيروس Francisco Jimenez de Cisneros، الذي كان يشغل منصب رئيس أساقفة طليطلة[12]، العاصمة الإسبانيَّة في ذلك الوقت، والذي بلغت شدَّته في تطبيق سياساته التي تهدف إلى تنصير المسلمين إلى اعتراض بعض أعضاء كنيسته نفسها في طليطلة، وذلك خوفًا من أن يُشكِّل ذلك التنصير خرقًا للعهود التي بذلها النصارى لمسلمي الأندلس، إلَّا أنَّه تجاهل ذلك الاعتراض، وأعلن صراحةً متحدِّيًّا معترضيه أنه «إذا تعذَّر جذب الكفَّار (يقصد المسلمين) إلى طريق الخلاص، وجب جرُّهم إليه جرًّا»[13].
من ذلك المنطلق اتَّخذ ثيسنيروس عدَّة إجراءات ضدَّ مسلمي الأندلس، كان الهدف الأساسي منها تنصيرهم بالقوَّة، بالإضافة إلى محو ثقافتهم الإسلاميَّة[14]، وبالطبع أدَّت تلك الإجراءات إلى احتقان المسلمين وغليانهم، وأصبح الوضع في غرناطة متأزِّمًا بشكلٍ كبير، وعلى وشك الانفجار، وينتظر الشرارة التي تُفجِّر الوضع، وتمثَّلت تلك الشرارة في حادثة إلقاء القبض على سيِّدةٍ مسلمةٍ لتنصيرها، والتي استغاثت بالمسلمين أثناء اقتيادها، فهبَّ المسلمون لنجدتها، واشتعلت الثورة، وكان مركز الثورة في حيِّ البيازين Albicin في غرناطة[15]، وذلك عام 1499م[16]، ولم تتوقَّف الثورات؛ فقد اشتعلت ثورةٌ أخرى عام 1501م[17]، في منطقةٍ تُدعى البشرات، بالقرب من غرناطة، ولكن فشلت الثورتان، واستطاعت إسبانيا قمعهما عسكريًّا[18].
التنصير:
بعد ذلك الصدام المسلَّح، كشفت إسبانيا سريعًا عن نيَّاتها تجاه مسلمي الأندلس؛ حيث أراد فرناندو الخامس وإيزابيلا طرد المسلمين نهائيًّا من الأندلس، فبدأ صدور أوامر ومراسيم ملكيَّة تُخيِّر المسلمين بين أمرين؛ إمَّا التنصُّر أو مغادرة البلاد، ولكن تلك المراسيم لم تصدر بحقِّ كلِّ مسلمي إسبانيا مرَّةً واحدة؛ إنَّما صدرت في فتراتٍ زمنيَّةٍ مختلفة، حيث كان كلُّ مرسومٍ يستهدف المسلمين في منطقةٍ أو أكثر من مناطق إسبانيا[19].
فبعد تسع سنواتٍ من سقوط غرناطة، وفي شهر يوليو عام 1501م، وهو عام فشل ثورة البشرات نفسه، أصدرت الملكة إيزابيلا مرسومًا ملكيًّا، تضمن تخيير المسلمين القاطنين في قشتالة وليون بين النصرانيَّة أو مغادرة البلاد، ولم يُعلَن المنشور إلَّا في فبراير من عام 1502م[20]. كان خلاصة المرسوم الملكي أنَّه لَمَّا كان الله قد اختارهما لتطهير مملكة غرناطة من الكفرة (المسلمين)، فإنَّه يحظر وجود المسلمين فيها، فإذا كان بعضهم فإنَّه يحظر عليهم أن يتَّصلوا بغيرهم؛ خوفًا من أن يتأخَّر تنصيرهم، أو بأولئك الذين تنصَّروا لئلَّا يُفسدوا إيمانهم، ويعاقب المخالفون بالموت أو بمصادرة الأموال[21].
واستمرَّ بعد ذلك صدور المراسيم الملكيَّة بحقِّ تنصير المسلمين أو طردهم في باقي مناطق الأندلس؛ ففي عام 1512م صدر المرسوم نفسه بحقِّ المسلمين القاطنين في نافار، وفي عام 1526م صدر المرسوم نفسه، واستُهدف فيه مسلمو كلٍّ من أراجون وفالنسيا وقطالونيا. والجدير بالذكر أنَّه ببداية صدور تلك المراسيم أطُلق على مسلمي الأندلس عندئذٍ اسم الموريسكيِّين[22]. وبذلك فإنَّه في عام 1526م، لم يُصبح هناك اعترافٌ بتواجد أيِّ مسلمٍ على أراضيها[23].
لم تكن مملكة البرتغال بمنًاى عن قرارات تنصير المسلمين أو طردهم التي وقعت في إسبانيا، بل إنَّ البرتغال سبقت إسبانيا في ذلك المضمار؛ حيث أصدر الملك البرتغالي مانويل الأوَّل (1495–1521م) قرارًا بطرد المسلمين الذين رفضوا التنصُّر والتعميد من بلاده[24]، وذلك عام 1497م[25].
ولكي يعيش آخرون في بلاد الأندلس في ظلِّ حكم النصارى الإسبان، تَنَصَّر مِن المسلمين بعضُهم[26]، وهؤلاء لم يرتضِ لهم النصارى الإسبان حتى بالنصرانيَّة، فلم يتركوهم دون إهانة، وقد سمُّوهم بالمُورِسْكِيِّين؛ احتقارًا لهم، وتصغيرًا من شأنهم، فلم يكن المُورِسْكِي نصرانيًّا من الدرجة الأولى؛ لكنَّه كان تصغيرًا لهذا النصراني الأصيل[27].
وقد نقل إلينا الدون لورنتي مؤرِّخ ديوان التحقيق الإسباني وثيقةً من أغرب الوثائق القضائيَّة؛ تضمَّنت طائفة من القواعد والأصول التي رأى الديوان المقدَّس أن يأخذ بها العرب المتنصِّرين في تهمة الكفر والمروق، وإليك ما ورد في تلك الوثيقة الغريبة:
«يُعتبر الموريسكي أو العربي المتنصِّر قد عاد إلى الإسلام إذا امتدح دين محمد، أو قال: إن يسوع المسيح ليس إلهًا، وليس إلَّا رسولًا. أو أنَّ صفات العذراء أو اسمها لا تُناسب أمَّه، ويجب على كلِّ نصرانيٍّ أن يُبَلِّغَ عن ذلك، ويجب عليه -أيضًا- أن يُبَلِّغ عمَّا إذا كان قد رأى أو سمع بأن أحدًا من الموريسكيِّين يُباشر بعض العادات الإسلاميَّة؛ ومنها أن يأكل اللحم في يوم الجمعة وهو يعتقد أن ذلك مباح، وأن يحتفل يوم الجمعة بأن يرتدي ثيابًا أنظف من ثيابه العاديَّة، أو يستقبل المشرق قائلًا باسم الله، أو يوثِّق أرجل الماشية قبل ذبحها، أو يرفض أكل تلك التي لم تُذبح، أو ذبحتها امرأة، أو يختن أولاده، أو يُسمِّيهم بأسماء عربيَّة، أو يُعرِب عن رغبته في اتِّباع هذه العادة، أو يقول: يجب ألَّا يعتقد إلَّا في الله وفي رسوله محمد، أو يُقسم بأيمان القرآن، أو يصوم رمضان، ويتصدَّق خلاله، ولا يأكل ولا يشرب إلَّا عند الغروب، أو يتناول الطعام قبل الفجر -السحور-، أو يمتنع عن أكل لحم الخنزير وشرب الخمر، أو يقوم بالوضوء والصلاة؛ بأن يُوَجِّه وجهه نحو الشرق، ويركع ويسجد، ويتلو سورًا من القرآن، أو أن يتزوَّج طبقًا لرسوم الشريعة الإسلاميَّة، أو يُنشد الأغاني العربيَّة، أو يُقيم حفلات الرقص والموسيقى العربيَّة، أو أن يستعمل النساء الخضاب -الحنَّاء- في أيديهن أو شعورهن، أو يتَّبع قواعد محمد الخمس، أو يلمس بيده على رءوس أولاده أو غيرهم؛ تنفيذًا لهذه القواعد، أو يغسل الموتى ويُكفِّنهم في أثوابٍ جديدة، أو يدفنهم في أرضٍ بكرٍ، أو يُغطِّي قبورهم بالأغصان الخضراء، أو أن يستغيث بمحمدٍ وقت الحاجة واصفًا إيَّاه بالنبيِّ ورسول الله، أو يقول: إنَّ الكعبة أوَّل معابد الله، أو يقول: إنَّه لم يُنصَّر إيمانًا بالدين المقدَّس، أو أنَّ آباءه وأجداده قد غنموا رحمة الله؛ لأنهم ماتوا مسلمين... إلخ[28].
اضطهاد الموريسكيين:
هدف الإسبان إلى تنصير المسلمين بإشراف السلطات الكنسيَّة، وبأشدِّ وسائل العنف، ولم تكن العهود التي قُطعت للمسلمين لتحول دون النزعة الصليبية، التي أسبغت على السياسة الإسبانيَّة الغادرة ثوب الدين والورع، ولكن رفض المسلمون عقائد النصارى ودينهم المنحرف، وامتنعوا عنه وكافحوه[29]، ولتوضيح الأمر نُلقي نظرةً حول كيف كانت إسبانيا ترى وضع الموريسكيِّين في شبه الجزيرة الأيبيريَّة في تلك الفترة؛ فقد كان الموريسكيُّون في نظر الإمبراطوريَّة الإسبانيَّة نصارى بموجب مراسيم التنصير التي أصدرتها، وعلى الرغم من ذلك احتفظ غالبيَّة الموريسكيِّين بإسلامهم سرًّا، وبالتالي حافظوا على العقائد الإسلاميَّة، وهي العقائد التي تشمل كلَّ جوانب الحياة، وأدقها، ولم يتخل الموريسكيِّون عن جلِّ تلك المظاهر الإسلاميَّة، وعلى سبيل المثال لاحظ رجل الدين النصراني «برمودث دي بدراثا Bermudez de Pedraza» بعض أفعال الموريسكيِّين في المحافظة على تعاليم الإسلام، فذكرها بقوله: «كانوا (يقصد الموريسكيِّين) يقومون بتنصير أبنائهم، لأنَّه فُرِض عليهم، لكن فيما بعد وفي المنزل يُغسِّلونهم بالماء الساخن للقضاء على الزيت المقدَّس، وأثناء القيام بهذا الاحتفال تقع عمليَّة الختان، ويُعطون أبناءهم أسماءً عربيَّة»[30].
ونتيجة لذلك اتَّفقت أراء كثير من الكهنة الكنسيِّين والمسئولين العلمانيِّين الذين يقومون بإدارة شئون الحكم في إسبانيا، على أنَّ التقاليد الثقافيَّة للموريسكيِّين كانت تُشكِّل عائقًا أمام تقدُّمهم الديني فيما يخصُّ نصرانيَّتهم، وذهبوا إلى أن الموريسكيِّين لن يندمجوا كليًّا في المجتمع النصراني طالما أنَّهم كانوا يتحدَّثون ويأكلون ويلبسون بطريقةٍ مختلفةٍ عن النصارى[31].
ومن هذا المنطلق بدأت إسبانيا في تحريم أيِّ مظهرٍ من المظاهر التي تدلُّ على أنَّ صاحبها مسلم، وأصدرت بين عامي 1511 و1526م، سلسلةً من المراسيم والأوامر الملكيَّة قصد بها استئصال كلِّ المظاهر الإسلاميَّة تمامًا، وكانت تلك التشريعات تستهدف غرناطة بالدرجة الأولى[32]، باعتبارها أحدث المناطق الإسلاميَّة انضمامًا إلى إسبانيا، وبالتالي فإنَّ المظاهر الإسلاميَّة كانت منتشرةً في أرجائها.
تعدَّدت مظاهر الاضطهاد، وإن كان من أهمِّها تحريم التعامل باللغة العربيَّة، فاخترع الموريسكيُّون لغةً جديدة[33]؛ حيث حلَّت محلَّ اللغة العربيَّة ما يُسمَّى باللغة الألخميادو أو الأعجميَّة Aljamia، وهي لغةٌ كانت تُكتب بالحروف العربيَّة[34]، وكانت خليطًا هجينًا من كلماتٍ عربيَّةٍ وإسبانيَّة، بالإضافة إلى العديد من الاستشهادات بالآيات القرآنيَّة[35].
كما اعتبر نصارى الإسبان الموريسكيِّين ثوَّارًا وعملاء لجهاتٍ خارجيَّةٍ في المغرب والقاهرة والقسطنطينية، وبدأ القتل فيهم، وجاهد المسلمون ببسالةٍ في غرناطة والبيازين والبشرات، فمُزِّقُوا بلا رأفةٍ ولا شفقةٍ ولا رحمة[36].
كما لم يقف الأمر عند حدِّ التهجير والتنصير، وإنَّما أعقب ذلك أن حرق الكردينال الإسباني كمينس -وكان صليبيًّا حاقدًا- ثمانين ألف كتابٍ جُمِعَت من غرناطة وأرباضها في يومٍ واحد[37].
تدلُّ المحاولات التي بذلتها إسبانيا لطمس أيِّ أثرٍ للهويَّة الإسلاميَّة في أرجائها على أمرٍ جلي، وهو أنَّ قضيَّة إسبانيا مع الموريسكيِّين الرئيسة، لم تكن إيقاف الموريسكيِّين عن اتِّباع المظاهر والعقائد الإسلاميَّة؛ إنَّما تكمن مشكلتهم في التواجد الموريسكي المسلم في إسبانيا، ولم تكن إسبانيا تُريد إلَّا حلًّا واحدًا لا غير لتلك القضيَّة، ويتمثَّل من وجهة نظرها في اجتثاث الوجود الإسلامي في الأندلس بالكلِّيَّة.
ويؤيِّد وجهة النظر تلك فلورينثيو خانيير Janer Florencio[38]، ويجب أن ننتبه لآراء خانيير؛ فهو كاتبٌ إسبانيٌّ في المقام الأوَّل، وعاش في القرن التاسع عشر، وهو من أكثر القرون التي تجلَّت فيها الهجمة الأوروبِّيَّة العنيفة على العالم الإسلامي، والتي كانت قد بدأت منذ أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، سواءٌ على المستوى العسكري الاستعماري، أم حتى على المستوى الفكري؛ حيث كانت الآراء الأوروبِّيَّة بخصوص الإسلام والمسلمين سلبيَّةً وشديدة التحيُّز في محصَّلتها، وتمثَّلت تلك الأراء في انتقاد العقائد الإسلاميَّة وحياة المسلمين في المجمل دون أدنى موضوعيَّة، وسيظهر ذلك في آراء خانيير نفسه في حكمه على طرد الموريسكيِّين من إسبانيا[39].
ومع كلِّ تلك العوامل، فإنَّ خانيير ذكر أنَّ إسبانيا كانت تريد منذ البداية التخلُّص من الموريسكيِّين، حيث يقول: «في النهاية لم يكن لدى أسلافنا خطَّةٌ محدَّدةٌ أو نظامٌ سياسيٌّ يهدف لاستيعاب الموريسكيِّين بمنهجيَّةٍ وتبصُّرٍ ونجاح»[40].
ثورات الموريسكيين:
لم تخلُ المنطقة من ثوراتٍ شعبيَّةٍ ومواجهاتٍ محدودة الإمكانيَّات بمنطق «حرب العصابات»، وكان المجاهدون يختبئون في الجبال والأودية والمناطق البعيدة، ثم يشنُّون غاراتهم على القوَّات الإسبانيَّة، وقد نجحوا كثيرًا في إنزال خسائر مؤثِّرة بالإسبان، وقد اشتدَّت هذه الحركات لا سيَّما بعد قرار التنصير الذي اعتمدته إسبانيا، فزاد عدد الثائرين والمنحازين للمجاهدين[41]، وتُعتبر ثورة البشرات (1568–1570م) من أهمِّ الأحداث التي وقعت خلال المواجهات المحتدمة بين الموريسكيِّين والإسبان؛ ومن أهمِّ ثورات الموريسكيِّين ضدَّ الحكم الإسباني قاطبةً، وكان السبب الرئيس لتلك الثورة إجراءات القمع التي اتَّخذها ملك إسبانيا فيليب الثاني Philip II ضدَّ الموريسكيِّين.
وفيليب الثاني من سلالة الملكان فرناندو الخامس وإيزابيلا، ففي عام 1504م ماتت ملكة إسبانيا إيزابيلا[42]، وفي عام 1516م تُوفِّي زوجها فرديناند[43]، فصار شارل خنت Charles Ghent، حفيد فرديناند من ابنته خوانا Joanna، ملكًا لإسبانيا تحت اسم شارل الأوَّل، وحيث إنَّ شارل خنت هو حفيد الإمبراطور النمساوي ماكسيميليان الأوَّل Maximilian I من جهة الأب، فإنه سيكون إمبراطور النمسا كذلك بعد موت جدِّه، وكان أبوه فيليب الأوَّل هابسبورج Philip I Hapsburg قد مات قبل ذلك في عام 1506. هذا يعني أنَّ موت ماكسيميليان سيجعل الوريث شارل خنت إمبراطورًا لإسبانيا والنمسا معًا، وهي إمبراطوريَّةٌ رهيبةٌ بهذا التصوُّر! ولقد حدث هذا بالفعل عام 1519م، ومات ماكسيميليان، وتلقَّب شارل خنت بشارل الخامس[44] (أي أن شارل الخامس في النمسا، هو نفسه شارل الأوَّل في إسبانيا). وفي عام 1556م تنازل شارل الخامس عن حكم إسبانيا لابنه فيليب الثاني Philip II[45]، الذي تربَّع على العرش الإسباني في الفترة ما بين عامي (1556 و1598م).
كانت بداية إرهاصات ثورة البشرات في عام 1566م، حيث أصدر فيليب الثاني مرسومًا يحظر على موريسكي غرناطة لغتهم ولباسهم وثقافتهم[46]، ويذكر المؤرِّخ الإسباني أورتادو دي مندوثا -الذي عاش في إسبانيا في القرن السادس عشر الميلادي، وعاصر تلك الأحداث- مضمون ذلك المرسوم بقوله: «وقد أمرهم الملك بأن يكفُّوا عن استخدام اللغة الموريسكيَّة، وبذلك فقدوا التعامل والاتصال فيما بينهم، كما منعهم من الانتفاع بخدمة العبيد السود، فقضى على أملهم في أن ينجب لهم هؤلاء أبناء، وحظر عليهم اللباس الموريسكي، الذي كان يُكلِّفهم أموالًا كثيرة، وأجبرهم على التحدُّث باللغة القشتاليَّة مهما كلَّفهم ذلك من عناء، وألزموا النساء أن تكشف وجوههن، وأن تُفتح أبواب البيوت، بعد أن جرت العادة على إغلاقها، ممَّا خلق جوًّا من المعاناة الشديدة في أوساط الناس الغيورة. وقد سرت شائعة أنهم كانوا سيأخذون أبناء الموريسكيين ويرسلونهم إلى قشتالة، كما قاموا بحظر الحمامات، والتي كانت تشكل بالنسبة إليهم وسيلة مهمة للنظافة والترفيه. كما منعوهم من الموسيقى والأغاني وإقامة الأعياد واحتفالات الزواج الخاصة بهم، كما حرموهم من الاجتماعات التي كانوا ينظمونها للترفيه وشغل أوقات الفراغ[47]، وقد أتت هذه الأوامر فجأةً وجملةً واحدةً دون أن يتم التمهيد لها بتفعيل وتشديد قوانين قديمة أو إصدار أوامر أخرى جديدة والموافقة عليها»[48].
بدأت ثورة البشرات (1568م=976هـ)، وكانت الشرارة التي أشعلت الثورة حدوث شغبٍ من الموريسكيِّين اعتراضًا على ظلم بعض جباة الضرائب النصارى، وتطوَّرت الأحداث إلى ثورة، وامتدَّت الثورة بين موريسكيِّ غرناطة، وكانت منطقة البشرات مركز الثورة[49]، ويُقدِّم المؤرِّخان المعاصران لثورة البشرات، أورتادو دي مندوثا Hurtado de Mendoza (1503–1575م) في كتابه "حرب غرناطة"، ومارمول كارباخال Luis del Mármol y Carvajal (1520-1599) في كتابه "وقائع ثورة الموريسكيين"، وصفًا شافيًا لأحداث ووقائع تلك الثورة[50].
استمرَّت ثورة البشرات مدَّة سنتين إلى عام 1570م، وعلى الرغم من استبسال المسلمين في القتال، فإنَّ الثورة انتهت بهزيمتهم بعد جهدٍ عنيفٍ من الإسبان، وسبب استبسال المسلمين هو أنهم رأوا في تلك الثورة الأمل الأخير للنجاة من الاضطهاد الإسباني لهم، وذلك ما عبَّر عنه المؤرِّخ البريطاني ستانلي لين بول بقوله: «كان صراع العرب شديدًا يائسًا؛ لأنَّ المعركة كانت آخر معركةٍ لهم في آخر مكانٍ يستطيعون الوقوف فيه؛ فقد أحسُّوا أنهم يطاردون، فأخذوا في هجماتهم الأولى، والغضب ملء خياشيمهم، ينتقمون لما نالهم من ضروب الإهانة والاضطهاد في مدى مائة عام، فثارت قريةٌ بعد قرية في وجوه الإسبان»[51].
الطرد النهائي للموريسكيين من الأندلس:
كان السبب الرئيس لطرد الموريسكيِّين من إسبانيا هو قطع أيِّ صلةٍ للمسلمين بشبه الجزيرة الأيبيريَّة؛ فالطرد كان لغرضٍ دينيٍّ بحت، فهو لا يُشبه معظم الصراعات القائمة في عالمنا المعاصر، التي في أغلبها صراعاتٌ عرقيَّةٌ وقوميَّة، حيث تتكوَّن الأقليَّة في الدولة على الأغلب -مع وجود بعض الاستثناءات- من أناس ينتمون إلى أصولٍ مختلفةٍ عن أصول الأغلبيَّة، فتسعى الأغلبيَّة للتخلُّص منهم حتى تُصبح الدولة قوميَّةً بحق، أي تضمُّ بداخلها قوميَّةً واحدةً فقط.
أمَّا في شبه الجزيرة الأيبيريَّة عام 1609م، وهو عام إصدار قرار طرد الموريسكيِّين، فالوضع مختلف؛ فعلى الرغم من أنَّ الموريسكيِّين كانوا أقليَّة، فإنَّهم لم يختلفوا في أصولهم عن الإسبان، بل كان الاختلاف بين الطرفين دينيًّا فقط، وهو ما صرَّح به المؤرِّخ الإسباني ميكيل دي إيبالثا بقوله: «يبدو من الواضح أن الموريسكيِّين لم يكونوا يختلفون من الناحية العنصريَّة عن بقيَّة السكان في إسبانيا. ترك لنا المؤلفون الإسبان في القرن السادس عشر وصفًا كاملًا للموريسكيِّين. كان وصفًا ثقافيًّا (لغة، ملابس، ألعاب، أشكال التعبير، وأنماط الحياة)، ولم يكن يعتمد على الصفات الجسديَّة. هناك نصوصٌ تقول صراحةً إنَّه لولا اللغة العربيَّة أو طريقة نطقهم للإسبانيَّة لما أمكن تمييزهم عن المسيحيِّين؛ إذ كانوا يلبسون أزياءهم ويتصرَّفون مثلهم. هذا التأكيد العام يعود إلى الأصل العنصري الواحد لمسلمي الأندلس الذين كان معظمهم من أهل إسبانيا الأصليِّين»[52].
وكانت عمليَّة الطرد تحمل قدرًا كبيرًا من الصعوبة؛ فلم يكن من السهل تفريغ شبه الجزيرة الأيبيريَّة من الموريسكيِّين مرَّةً واحدة، وهو أمرٌ أقلق الكثيرين في إسبانيا، حتى ممَّن كانوا سعداء باضطهاد الموريسكيِّين، سواءٌ الشخصيَّات المدنيَّة ذات الاعتبار في الدولة، أم من بعض رجال الدين النصراني[53]، ولكن كان صوت التعصُّب الديني أقوى من كلِّ تلك الاعتبارات، وأكد المؤرِّخ الإسباني فلورينثيو خانيير، الذي عاش في القرن التاسع عشر الميلادي (1831-1877م)[54]، على ذلك المفهوم بكلِّ صراحة، حيث أثنى بشدَّة على قرار طرد الموريسكيِّين من إسبانيا في كتابه، بقوله: «لقد حقَّقت إسبانيا فوائد ملحوظة بطردها الموريسكيِّين الذين فرَّقوا وحدة البلاد الدينيَّة وأمنها، ممَّا ذهب بكلِّ جهود ملوكنا سدى، وإذا استنكرنا ذلك الأسلوب من الناحية الاقتصاديَّة نظرًا إلى التأثير السلبي الذي نجم عنه منذ لحظة إقراره، فإنَّ التحيُّز الواضح للمؤرِّخين يُجبرنا على احترامه بما أحدثه من فوائد عديدة في المنظومة الدينيَّة والسياسيَّة»، كما يذكر في موضعٍ آخر من كتابه قوله: «فمن يُنكر أن طرد الموريسكيِّين كان مفيدًا بقدر كونه ضروريًّا؟ حيث أثرى الدولة بخيراتٍ لا تُقدَّر؛ هي وحدتها الدينيَّة وأمنها»[55].
وأخيرًا يعترف فلورينثيو خانيير أنَّ فكرة طرد الموريسكيِّين: «... ليست نتيجةً محدَّدةً للأفكار التي سادت لقرونٍ عديدة، أو لكره الشعب التقليدي لمن حكموه قديمًا، ولكن وسيلة ضروريَّة لإقرار السلام في الكنيسة والدولة الإسبانيَّة»[56]. ويتَّضح من ذلك أنَّ مشكلة النصارى الإسبان مع الموريسكيِّين تتمثَّل في أمرٍ واحدٍ فقط لا غير، وهو تمسُّك غالبيَّة الموريسكيِّين بعقيدتهم الإسلاميَّة، فعلى الرغم من كلِّ الجهود التي بذلتها الكنيسة الكاثوليكيَّة والدولة في إسبانيا في محاولة تنصير الموريسكيِّين، واتِّباع أكثر من طريقةٍ تراوحت بين الوعظ والتعليم والتعميد الإجباري، ووصلت إلى محاكم التفتيش وتشتيت الموريسكيِّين بين المجتمع النصراني المسيطر، فإنَّ كلَّ تلك الجهود باءت بالفشل الذريع[57]، فكان قرار الطرد.
وفي ذلك الجو المليء بغيوم التعصُّب الديني، أصدر الملك الإسباني فيليب الثالث (1598–1621م)[58] -الذي خلف الملك فيليب الثاني في حكم إسبانيا بعد وفاته عام 1598م[59]- قرار طرد الموريسكيِّين من شبه الجزيرة الأيبيريَّة، ولم يكن القرار يشمل فقط الأراضي الإسبانيَّة، بل كانت البرتغال كذلك معنيَّةً بهذا القرار؛ فقد كانت إسبانيا تحتلُّ البرتغال منذ عام 1580م[60].
والجدير بالذكر أنَّ فيليب الثالث لم يكن أوَّل من فكر في طرد الموريسكيِّين تمامًا من إسبانيا؛ فالأمر كان يدور في خلد الملوك الإسبان من فترةٍ كبيرة، بل وبطريقةٍ أعنف ممَّا تمَّ عام 1609م؛ ففي عهد الملك فيليب الثاني عام 1581م، حينما كان في لشبونة عاصمة البرتغال يوطِّد أركان حكمه هناك بعد احتلاله للبرتغال، ألَّف جمعيَّةً من كبار مستشاريه لوضع سياسة محدَّدة لمعالجة قضيَّة الموريسكيِّين، وتوصَّلت الجمعيَّة إلى أنَّ الحلَّ الأمثل لتلك القضيَّة هو طرد جميع العرب والمسلمين الذين يرفضون التنصُّر، ويكون ذلك بإرسالهم إلى البحر وتحميلهم على سفنٍ فاسدة غير صالحةٍ للإبحار، ثم خرق تلك السفن في عرض البحر، وهي في طريقها إلى شمال إفريقيَّة؛ فقد كان من رأيهم أنَّه من عدم الحكمة زيادة أعداد المسلمين في الشمال الإفريقي، ولكن لم يستطع فيليب الثاني تنفيذ تلك الخطة، غير أنَّ فيليب الثالث عند علمه بتلك الخطَّة عام 1602م، أبدى استحسانه لها؛ لأنَّها كانت تتوافق مع مخطَّطاته تجاه الموريسكيِّين[61].
تجلَّت مخطَّطات فيليب الثالث في المرسوم الأوَّل الذي أصدره بطرد الموريسكيِّين، والذي نُشر وطُبِّق أوَّلًا في فالنسيا في 22 سبتمبر 1609م، وقد يكون اختيار فالنسيا لتكون أوَّل من يُطبَّق عليها قرار الطرد، يرجع لسبب ديموغرافي يتمثَّل في أن نسبةً كبيرةً من سكان فالنسيا كانوا من الموريسكيِّين[62]، كما أنَّ الموريسكيِّين في فالنسيا كانوا يُمثِّلون النسبة الأعلى كثافةً لسكانٍ موريسكيِّين بين جميع المناطق النصرانيَّة بشبه الجزيرة الأيبيريَّة[63]، وبدأ تطبيق القرار في الأشهر والأعوام اللاحقة في مناطق أخرى من شبه الجزيرة الأيبيريَّة[64]، وتضمَّن نصُّ مرسوم القرار كما هو متوقَّع طردَ جميع الموريسكيِّين؛ حيث أمر الملك الإسباني في نصِّ مرسوم القرار: «قرَّرتُ أن يُخرج كلَّ موريسكيِّي هذه المملكة، وأن يُرحَّلوا إلى بلاد البربر»[65]، كان لا بُدَّ من إبعاد الجميع، ذَكَرًا كان أو أنثى، إلى شمال إفريقيا، ولم يكن مسموح للموريسكيِّين أن يحملوا معهم أيَّ أموال، بل كان المسموح فقط حمل ما يستطيعون من متعلَّقاتهم الشخصيَّة[66]؛ أي أنَّ الموريسكيَّ خسر فجأةً دون سابق إنذار أرضه وماله!!
ولكن، على الرغم من ذلك، ولأنَّ الموريسكيِّين كانوا يُمثِّلون عصب الزراعة في إسبانيا، ورحيلهم المفاجئ قد يعني انهيار الزراعة في البلاد، فقد جاء في المرسوم استثناء لبعض الموريسكيِّين من قرار الطرد؛ حيث أُعلن في المرسوم أنَّه: «باستثناء ستَّة من (الأكبر سنَّا والأكثر مسيحيَّة) من موريسكيِّي كلِّ قرية (سيتم استبقاؤهم لتعليم الآخرين نظام الزراعة)». لم يكن المطرودون من هذه المناطق ممَّن يعملون بالزراعة فحسب، بل كان من بينهم أعدادٌ كبيرةٌ من الفنَّانين والحرفيِّين والصنَّاع الذين أسهموا في الاقتصاد الإسباني[67].
كانت الوجهة الطبيعيَّة للموريسكيِّين بعد طردهم، هي الاتجاه إلى الشمال الإفريقي المسلم، وهو ما حدث بالفعل، إلَّا أنَّه خلال عامي 1609–1610م، اتَّجهت أفواجٌ كبيرةٌ من الموريسكيِّين إلى فرنسا وإيطاليا؛ وذلك لأنَّ قرارات الطرد التي صدرت في بادئ الأمر منعت المهاجرون من اصطحاب أبنائهم معهم إذا أرادوا الذهاب إلى بلادٍ إسلاميَّة. أمَّا مصير الموريسكيِّين الذين ذهبوا إلى فرنسا وإيطاليا، فقد انتقل عددٌ من هؤلاء المهاجرون إلى الدولة العثمانيَّة، غير أنَّه في الفترة ما بين 1610 و1614 ذهب كلُّ الموريسكيِّين إلى الشمال الإفريقي[68].
على مدى الأشهر الستَّة التالية من إصدار مرسوم الطرد، طُرِد نحو مائةٍ وخمسين ألفًا من موريسكيِّي فالنسيا فقط، وما بدأ في فالنسيا استُكمل في كلِّ إسبانيا[69]، واستمرَّت عمليَّات طرد الموريسكيِّين إلى عام 1614م، وهو العام الذي شهد طرد جميع الموريسكيِّين من شبه الجزيرة الأيبيريَّة[70]. قدَّر بعضهم أعداد الموريسكيِّين النازحين من الأندلس في تلك السنين الأربع فقط بنحو نصف مليون موريسكي[71].
وانتهى طرد الموريسكيِّين من إسبانيا، وهو العمل الذي وصفه الكاردينال ريشيليو (1585–1642م)، وهو رجل دين فرنسي، كما كان كبير وزراء للملك الفرنسي، وقد عاصر أحداث الطرد، ووصفه بأنَّه «أصفق عمل، وأكثره بربريَّة في تاريخ الإنسان»[72] .
وبذلك انتهى التواجد الإسلامي في الأندلس، أو بالأحرى انتهى الفصل الختامي من قصَّة المسلمون في الأندلس.
أعداد الموريسكيين المطرودين من الأندلس:
اختلف المؤرِّخون في تقدير أعداد الموريسكيِّين الذين طُردوا من الأندلس في الفترة ما بين سقوط غرناطة عام 1492م، حتى الطرد النهائي في أوائل القرن السابع عشر، فقد قدَّر بعض المؤرِّخين أعدادهم بنصف مليون موريسكي[73]، و بعضهم الآخر أقرَّ أنَّ الأعداد تتراوح ما بين تسعمائة ألف إلى مليون موريسكي[74]، ووصل بعضهم بالتقديرات إلى ثلاثة ملايين موريسكي[75]، ولكن أقرب التقديرات ما أشار إليه سابستينو جيكلي، وهو مبعوث مدينة لكا (Lucca) الإيطاليَّة، في 21 أغسطس سنة 1610م، حيث قدَّر العدد بستمائة ألف موريسكي. ولا شَكَّ أنَّه حصل على ذلك التقدير من مصدرٍ رئاسيٍّ لأنَّه أضاف إلى تقديره قائلًا إنَّ الوزراء أكَّدوا له أنَّ العدد كان أكثر بكثيرٍ ممَّا كانوا يتوقَّعون[76].
ونختم بشهادة المستشرق البريطاني ستانلي لين بول Stanley Lane-Poole (1854-1931م) معلِّقًا على طرد الموريسكيِّين من إسبانيا، ومدى الضرر الذي وقع على إسبانيا من جرَّاء ذلك بقوله: «لم يعرف الإسبان عندما نفوا العرب ماذا كانوا يفعلون !!حقًّا لقد خرَّبوا بيوتهم بأيديهم، فإنَّهم ابتهجوا أوَّل الأمر بنفيهم، وشمتوا فيهم، وشفت غليلهم المناظر المؤثِّرة لهؤلاء العرب، وهم يطُردون من فردوسهم. ولكنَّ الإسبان لم يُدركوا أنهم قتلوا الإوزَّة التي تبيض بيضةً من ذهبٍ في كلِّ يوم؛ فقد بقيت إسبانيا قرونًا في حكم العرب وهي مركز المدنيَّة، ومنبع الفنون والعلوم، ومثابة العلماء والطلاب، ومصباح الهداية والنور، ولم تصل أيَّة مملكةٍ في أوروبا إلى ما يقرب منها في ثقافتها وحضارتها.
ولم يبلغ عصر فرناندو وإيزابيلا القصير المتلألئ، ولا إمبراطوريَّة شارل الخامس، الأوج الذي بلغه المسلمون في الأندلس، وقد بقيت حضارة العرب إلى حين بعد خروجهم من إسبانيا وضَّاءةً لامعة، ولكن ضوءها كان يُشبه ضوء القمر الذي يستعير نوره من الشمس، ثم عقب ذلك كسوفٌ بَقِيَت بعده إسبانيا تتعثَّر في الظلام.
وإنَّا لنحسُّ فضل العرب وعظم آثار مجدهم، حينما نرى بإسبانيا الأراضي المهجورة القاحلة، التي كانت في أيَّام المسلمين جنَّاتٌ تجري من تحتها الأنهار، تزدهر بما فيها من الكروم، والزيتون، وسنابل القمح الذهبيَّة، وحينما نذكر تلك البلاد التي كانت في عصور العرب تموج بالعلم والعلماء، وحينما نشعر بالركود العام بعد الرفعة والازدهار»[77].
وهذه نبذةٌ مختصرةٌ عن تاريخ الموريسكيِّين؛ فالحديث المستفيض الوافي عن تلك الفئة المسلمة المضطهدة يحتاج إلى عدَّة مؤلَّفاتٍ مستقلَّة.
[1] • ميكيل دي إيبالثا: الموريسكيون في إسبانيا وفي المنفى، ترجمة: جمال عبد الرحمن، المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة، الطبعة الأولى، 2005م، ص26.
[2] • ميغيل أنخيل بونيس إيبارا: الموريسكيون في الفكر التاريخي، ترجمة: وسام محمد جزر، مراجعة وتقديم: جمال عبد الرحمن، المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة، 2005م، ص21.
[3] ميكيل دي إيبالثا: الموريسكيون في إسبانيا وفي المنفى، ص26.
[4] • مرثيديس غارثيا أرينال: شتات أهل الأندلس (المهاجرون الأندلسيون)، ترجمة: محمد فكري عبد السميع، مراجعة وتقديم: جمال عبد الرحمن، المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة، الطبعة الأولى، 2006م، ص71، 72.
[5] ميكيل دي إيبالثا: الموريسكيون في إسبانيا وفي المنفى، ص58.
[6] أنطونيو دومينغيث أورتيث، بيرنارد فانسون: تاريخ الموريسكيين: حياة ومأساة أقلية، ترجمة: محمد بنياية، مراجعة: زينب بنياية، هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة – أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى، 1434هـ=2013م، ص20.
[7] جوزيف بيريز: التاريخ الوجيز لمحاكم التفتيش بإسبانيا، ترجمة: مصطفى أمادي، مراجعة: زينب بنياية، هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة – أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى، 1433هـ=2012م، ص61.
[8] • زكريا بن علي، حنيفي هلايلي: الموريسكيون: آثارهم الثقافية وإنتاجهم اللغوي في إسبانيا الموريسكية، مجلة الحوار المتوسطي، مخبر البحوث والدراسات الاستشراقية في حضارة المغرب الإسلامي، جامعة الجيلالي ليابس، سيدي بلعاس – الجزائر، المجلد 10، العدد 1، 2019م، ص15.
[9] جوزيف بيريز: التاريخ الوجيز لمحاكم التفتيش بإسبانيا، ص61.
[10] مارمول كارباخال: وقائع ثورة الموريسكيين، ترجمة: وسام محمد جزر، مراجعة وتقديم: جمال عبد الرحمن، المركز القومي للترجمة – القاهرة، الطبعة الأولى، 2012م، 1/153.
[11] هنري تشارلس لي: العرب والمسلمون في الأندلس بعد سقوط غرناطة، ترجمة: حسن سعيد الكرمي، دار لبنان للطباعة والنشر - بيروت، 1409هـ=1988م، ص45.
[12] ماثيو كار: الدين والدم: إبادة شعب الأندلس، ترجمة: مصطفى قاسم، مراجعة: أحمد خريس، هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة – أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى، 1434هـ=2013م، ص148.
[13] ماثيو كار: الدين والدم: إبادة شعب الأندلس، ص151، 152.
[14] زكريا بن علي، حنيفي هلايلي: الموريسكيون: آثارهم الثقافية وإنتاجهم اللغوي في إسبانيا الموريسكية، ص15.
[15] مارمول كارباخال: وقائع ثورة الموريسكيين، 1/153، 154.
[16] مرثيديس غارثيا أرينال: شتات أهل الأندلس (المهاجرون الأندلسيون)، ص106.
[17] لوبي كاردياك: الموريسكيون الأندلسيون والمسيحيون: المجابهة الجدلية (1492 – 1640) مع ملحق بدراسة عن الموريسكيين بأمريكا، تعريب وتقديم: عبد الجليل التميمي، منشورات المجلة التاريخية المغربية - تونس، 1983م، ص112.
[18] زكريا بن علي، حنيفي هلايلي: الموريسكيون: آثارهم الثقافية وإنتاجهم اللغوي في إسبانيا الموريسكية، ص15.
[19] مرثيديس غارثيا أرينال: شتات أهل الأندلس (المهاجرون الأندلسيون)، ص73.
[20] ماثيو كار: الدين والدم: إبادة شعب الأندلس، ص170.
[21] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 7/324.
[22] مرثيديس غارثيا أرينال: شتات أهل الأندلس (المهاجرون الأندلسيون)، ص73.
[23] مرثيديس غارثيا أرينال: شتات أهل الأندلس (المهاجرون الأندلسيون)، ص122، 123.
[24] هنري تشارلس لي: العرب والمسلمون في الأندلس بعد سقوط غرناطة، ترجمة: حسن سعيد الكرمي، دار لبنان للطباعة والنشر - بيروت، 1409هـ=1988م، ص43.
[25] ماثيو كار: الدين والدم: إبادة شعب الأندلس، ص140.
[26] انظر: مجهول: نبذة العصر في أخبار ملوك بني نصر، ضبطه وعلق عليه: ألفريد البستاني، مكتبة الثقافة الدينية - مصر، الطبعة الأولى، 1423هـ=2002م، ص130، والمقري، أحمد بن محمد التلمساني: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر - بيروت، 1968م، 4/527.
[27] انظر: محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة، 2001م، 7/322، 326، 345.
[28] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 7/346.
[29] علي الصلابي: دولة الموحدين، دار التوزيع والنشر الإسلامية - القاهرة، الطبعة الأولى 1424هـ=2003م، ص209.
[30] دولورس برامن: اعتبار شعيرة الفضض كمحافظة على عادة العقيقة التي تعود إلى ما قبل الإسلام، نقله عن الإسبانية: رضا مامي، ضمن كتاب: عبد الجليل التميمي: تطبيق الموريسكيين الأندلسيين للشعائر الإسلامية (1492 – 1609)، أعمال المؤتمر العالمي الثالث للدراسات الموريسكية الأندلسية، منشورات مركز الدراسات والبحوث العثمانية والموريسكية والتوثيق والمعلومات، زغوان - تونس، 1991م، ص20
[31] ماثيو كار: الدين والدم: إبادة شعب الأندلس، ص176، 177.
[32] ماثيو كار: الدين والدم: إبادة شعب الأندلس، ص177
[33] زكريا بن علي، حنيفي هلايلي: الموريسكيون: آثارهم الثقافية وإنتاجهم اللغوي في إسبانيا الموريسكية، ص12.
[34] مرثيديس غارثيا أرينال: شتات أهل الأندلس (المهاجرون الأندلسيون)، ص73.
[35] زكريا بن علي، حنيفي هلايلي: الموريسكيون: آثارهم الثقافية وإنتاجهم اللغوي في إسبانيا الموريسكية، ص14.
[36] على الصلابي: دولة الموحدين، ص209.
[37]شوقي أبو خليل: مصرع غرناطة، دار الفكر - دمشق، سوريا، 1418هـ=1998م، ص98، ومحمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 7/316.
[38] مؤرخ XE \F M"فلورينثيو خانير" إسباني عاش في القرن التاسع عشر الميلادي، وهو صاحب كتاب «الوضع الاجتماعي للموريسكيين في إسبانيا: أسباب الطرد والعواقب التي خلفها في المنظومة الاقتصادية والسياسية»
«Condición social de los moriscos en España: causas de la expulsión y consecuencias que ésta produjo en el orden económico y político»
والذي حصل على الجائزة الثانية في مسابقة الأكاديمية الملكية في التاريخ العام في إسبانيا 1857م، وهو من الكتب الإسبانية القيمة التي أُنتجت في تأريخ القضية الموريسكية في القرن التاسع عشر. انظر: ميغيل أنخيل بونيس إيبارا: الموريسكيون في الفكر التاريخي، ص101، 102.
[39] انظر ص PAGEREF خانير \h 26.
[40] ميغيل أنخيل بونيس إيبارا: الموريسكيون في الفكر التاريخي، ص103.
[41] مجهول: نبذة العصر، ص132، والمقري: نفح الطيب، 4/527، 528، ومحمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 7/345.
[42] ماثيو كار: الدين والدم: إبادة شعب الأندلس، ص172
[43] نيقولاي إيڤانوڤ: الفتح العثماني للأقطار العربية 1516 – 1574، ص101.
[44] Bryan Givens: ‘All things to all men’: political messianism in late medieval and early modern Spain Givens, p. 62.
[45] Brian A. Pavlac & Elizabeth S. Lott: The Holy Roman Empire: A Historical Encyclopedia, vol. 1, p. 36.
[46] ﭼون ﭼوليوس نورويش: الأبيض المتوسط «تاريخ بحر ليس كمثله بحر»، ص401.
[47] أورتادو دي مندوثا: حرب غرناطة، ص37.
[48] أورتادو دي مندوثا: حرب غرناطة، ص38.
[49] ستانلي لين بول: قصة العرب في إسبانيا، ص157.
[50] انظر: أورتادو دي مندوثا: حرب غرناطة، ترجمة: إيمان عبد الحليم، سلوى محمود، مراجعة وتقديم: جمال عبد الرحمن، المركز القومي للترجمة – القاهرة، الطبعة الأولى، 2008م، ومارمول كارباخال: وقائع ثورة الموريسكيين، ترجمة: وسام محمد جزر، مراجعة وتقديم: جمال عبد الرحمن، المركز القومي للترجمة – القاهرة، الطبعة الأولى، 2012م.
[51] ستانلي لين بول: قصة العرب في إسبانيا، ص157.
[52] ميكيل دي إيبالثا: الموريسكيون في إسبانيا وفي المنفى، ص53.
[53] ﭼون ﭼوليوس نورويش: الأبيض المتوسط «تاريخ بحر ليس كمثله بحر»، ص401.
[54] مكتبة الملك عبد العزيز العامة: مصادر أندلسية، ص203.
[55] ميغيل أنخيل بونيس إيبارا: الموريسكيون في الفكر التاريخي، ص104.
[56] ميغيل أنخيل بونيس إيبارا: الموريسكيون في الفكر التاريخي، ص105.
[57] ميكيل دي إيبالثا: الموريسكيون في إسبانيا وفي المنفى، ص150.
[58] ﭼون ﭼوليوس نورويش: الأبيض المتوسط «تاريخ بحر ليس كمثله بحر»، ص742.
[59] جفري برون: تاريخ أوروبا الحديث، ص207.
[60] عزيز سامح التر: الأتراك العثمانيون في أفريقيا الشمالية، ص257.
[61] هنري تشارلس لي: العرب والمسلمون في الأندلس بعد سقوط غرناطة، ص174.
[62] ﭼون ﭼوليوس نورويش: الأبيض المتوسط «تاريخ بحر ليس كمثله بحر»، ص401.
[63] مرثيديس غارثيا أرينال: شتات أهل الأندلس (المهاجرون الأندلسيون)، ص114.
[64] ميغيل أنخيل بونيس إيبارا: الموريسكيون في الفكر التاريخي، ص24.
[65] ميكيل دي إيبالثا: الموريسكيون في إسبانيا وفي المنفى، ص21.
[66] ﭼون ﭼوليوس نورويش: الأبيض المتوسط «تاريخ بحر ليس كمثله بحر»، ص401.
[67] ﭼون ﭼوليوس نورويش: الأبيض المتوسط «تاريخ بحر ليس كمثله بحر»، ص401، 402.
[68] مرثيديس غارثيا أرينال: شتات أهل الأندلس (المهاجرون الأندلسيون)، ص151.
[69] ﭼون ﭼوليوس نورويش: الأبيض المتوسط «تاريخ بحر ليس كمثله بحر»، ص402.
[70] ماثيو كار: الدين والدم: إبادة شعب الأندلس، ص43، ومرثيديس غارثيا أرينال: شتات أهل الأندلس (المهاجرون الأندلسيون)، ص137.
[71] ستانلي لين بول: قصة العرب في إسبانيا، ص159.
[72] هنري تشارلس لي: العرب والمسلمون في الأندلس بعد سقوط غرناطة، ص212.
[73] ﭼون ﭼوليوس نورويش: الأبيض المتوسط «تاريخ بحر ليس كمثله بحر»، ص402.
[74] ميغيل أنخيل بونيس إيبارا: الموريسكيون في الفكر التاريخي، ص104.
[75] ستانلي لين بول: قصة العرب في إسبانيا، ص159.
[76] هنري تشارلس لي: العرب والمسلمون في الأندلس بعد سقوط غرناطة، ص207.
[77] ستانلي لين بول: قصة العرب في إسبانيا، ص159، 160.
التعليقات
إرسال تعليقك